جريمة إصدار شيك بدون رصيد في ظل القانون الجزائري /على جزئين
الجزء الأول
أظهـرت الأهميـة البالغـة للشيكـات فـي الحيـاة الاقتصاديـة و الـدور الذي تؤديـه فـي المعامـلات ، لاسيمـا فـي مجـال الأعمـال التجاريـة ، ضـرورة توفيـر حمايـة فعالـة لهـا ، ضمانـا لقيامهـا بأداء وظائفهـا الاقتصاديـة ، و بصفـة خاصـة وظيفتهـا كـأداة وفـاء فـي المعامـلات تقـوم مقـام النقـود ، فمـن الملاحـظ أن اعتبـار الشيـك أداة وفـاء مثـل النقـود دفـع بعـض الأفـراد إلـى إسـاءة استعمـال الشيكـات بغيـة التوصـل عـن طريقهـا إلـى الاستيـلاء علـى أمـوال الغيـر ، ودلك بتحريـر شيكـات ليـس لهـا مقابـل وفـاء لـدى المسحـوب عليـه ، ولا شـك فـي أن إسـاءة استعمـال الشـك علـى هـدا النحـو يـؤدي إلـى فقـدان الأفـراد للثقـة فيـه كـأداة وفـاء و تجعلـه بالتالـي غيـر قـادر علـى أداء وظائفـه الاقتصاديـة و التـي وجـد مـن اجلهـا . وحمايـة لذلـك اتجـه المشـرع إلـى تجريـم فعـل إصـدار شيـك دون رصيـد و تدعيـم هـذا التشريـع بالجـزاء الجنائـي، و بهـذا جعلـه جريمـة قائمـة بذاتهـا لهـا أركانهـا الخاصـة بهـا و هـذا مـا سنعالجـه فـي هـذا الفصـل بالتطـرق لجريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد مـن حيـث الأركـان التـي بهـا تقـوم الجريمـة . و مـن الملاحـظ أن هـذه الأخيـرة يمكـن هدمهـا عـن طريـق مـا يقدمـه المتهـم مـن دفـوع قـد تـؤدي إلـى نفيهـا ، كمـا قـد لا تؤثـر فيهـا فتبقـى الجريمـة قائمـة علـى الرغـم مـن إثارتهـا .
و هـذا مـا سنتطـرق إليـه فـي المبحثيـن الموالييـن حيـث سنتنـاول فـي المبحـث الأول أركـان الجريمـة بالدراسـة فـي حيـن المخصـص المبحـث الثانـي للدفـوع التـي مـن شأنهـا أن تعتـرض قيـام هـذه الأركـان.
المبحـث الأول :أركـان جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد.
باستقـراء نـص المادتيـن 374 و 375) مـن قانـون العقوبـات نجـد أن المشـرع لـم يحصـر جرائـم الشيـك فـي صـورة وحيـدة ، بحيـث جعلهـا تتخـذ عـدة مظاهـر يمكـن إيجازهـا فيمـا يلـي :
أ – تسليـم أو قبـول شيـك كضمـان أو تظهيـر مثـل هـذا الشيـك ، وهـي الصـورة المشـار إليهـا بنـص المـادة( 374) فـي فقرتهـا الثالثـة ، فالأصـل فـي الشيـك أنـه أداة وفـاء ولا أداة قـرض و ائتمـان ، و لأنـه كـذلك فـإن القانـون يجـرم تسليـم الشيك أو قبولـه علـى سبيـل الضمـان ، وكـذا فعـل تظهيـر المستفيـد للشيـك المسلـم لـه كضمـان.
و جديـر بالذكـر أن المشـرع لـم يشتـرط فـي تظهيـر شيـك سلـم أو قبـل كضمـان سـوء النيـة ، فتقـوم الجريمـة بمجـرد توافـر القصـد الجنائـي العـام المستخلـص مـن الوقائـع.
ب- تزويـر أو تزييـف الشيـك ،و أشـارت إلـى هـذه الصـورة المـادة 375 مـن قانـون العقوبـات و تأخـذ مظهريـن أساسييـن و همـا : تزويـر أو تزييـف الشيـك بوضـع توقيـع مـزور ) سـواء كـان التزويـر ماديـا أو معنويـا ( ، وقبـول استـلام شيـك مـزور أو مزيـف.
ومـع تعـدد صـور جرائـم الشيـك فإننـا ارتأينـا حصـر نطـاق دراستنـا فـي صـورة واحـدة وهـي : جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد كونهـا الصـورة الأكثـر انتشـارا والتـي سنتطـرق إليهـا بنـوع مـن التفصيـل مـن خـلال تجسيـد أركانهـا كمـا يأتـي:
المطلب الأول: الركن الشرعي للجريمة .
تتحقـق الجريمـة بالفعـل الصـادر عـن الشخـص ، فتتخـذ صـورة ماديـة معينـة ، وتختلـف الأفعـال الماديـة باختـلاف نشاطـات الأشخـاص وهـذا مـا يجعـل المشـرع يتدخـل لتحديـد فئـة الأفعـال الضـارة أو الخطـرة علـى سلامـة أفـراد المجتمـع ، فينهـي عنهـا بموجـب نـص قانونـي جزائـي يجـرم هـذه الأفعال ويحـدد عقوبـة مـن يأتـي علـى ارتكابهـا ، وبالتالـي فـإن قانـون العقوبـات هـو الـذي يحـدد الجرائـم ويضـع لهـا عقابـا فـلا وجـود للجريمـة بـدون نـص تشريعـي.
ويقصـد بالركـن الشرعـي للجريمـة الصفـة غيـر المشروعـة للفعـل هـذه الصفـة التـي خلقهـا نـص التجريـم الـواجب التطبيـق علـى الفعـل بشـرط أن لا يكـون هنـاك سبـب مـن أسبـاب الإباحـة :
وقـد نصـت المـادة الأولـى مـن قانـون العقوبـات علـى أنـه : *لا جريمـة ولا عقوبـة أو تدبيـر أمـن بغيـر قانـون *
فالركـن الشرعـي هـو الـذي يحـدد الماديـات التـي يصبـغ عليهـا المشـرع الصفـة الغيـر مشروعـة ، هـذه الماديـات التـي تكـون جوهـر الركـن المـادي للجريمـة .
ويعنـي مبـدأ الشرعيـة حصر الجرائـم والعقوبـات فـي نصـوص القانـون فيختـص بتحديـد الأفعـال التـي تعتبـر جرائـم وبيـان أركانهـا ، وفـرض العقوبـات علـى هـذه الأفعـال .وعلـى القـاضي تطبيـق مـا يضعـه المشـرع مـن قواعـد فـي هـذا الشـأن .فـلا يستطيـع القاضـي تجريـم فعـل معيـن إلا إذا وجـد نـص يعتبـر هـذا الفعـل جريمـة .
وعنـد تطبيـق مـا سبـق ذكـره علـى جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد نجـد المشـرع قـد نـص فـي المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات علـى أنـه :
* يعـاقب بالحبـس مـن سنـة إلـى خمـس سنـوات وبغرامـة لا تقـل عـن قيمـة الشيـــك أو عـن قيمـة النقـص فـي الرصيـد :
1. كـل مـن أصـدر بسـوء نيـة شيكـا لا يقابلـه رصيـد قائـم ، وقابـل للصـرف أو كـان الرصيـد أقـل مـن قيمـة الشيـك أو قـام بسحـب الرصيـد كلـه أو بعضـه بعـد إصـدار الشيـك أو منـع المسحـوب عليـه مـن صرفـه.
2. كـل مـن قبـل أو ظهـر شيكـا صـادرا فـي الظـروف المشـار إليهـا فـي الفقـرة السابقـة مـع علمـه بذلـك.
3. كـل مـن أصـدر أو قبـل أو ظهـر شيكـا واشتـرط عـدم صرفـه فـورا بـل جعلـه كضمـان*.
وقـد وردت هـذه المـادة المتعلقـة بجريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد حسـب موقعهـا فـي قانـون العقوبـات بالقـسـم الثانـي الـذي ورد بعنـوان: * النصـب وإصـدار شيـك دون رصيـد * مـن الفصـل الثالـث المتعلـق بالجنايـات والجنـح ضـد الأمـوال مـن البـاب الثانـي الـذي يحتـوي على الجنايـات والجنـح ضـد الأفـراد مـن الكتـاب الثالـث الـوارد بعنـوان الجنايـات والجنـح وعقوباتهـا مـن الجـزء الثانـي المتعلـق بالتجريـم ، مـن قانـون العقوبـات والـذي صـدر بموجـب الأمـر رقـم 66-156 المـؤرخ فـي 18 صفـر عـام 1386 المـوافق لـ 8 يونيـو سنـة 1966 المتضمـن قانـون العقوبـات.
كمـا تجـدر الإشـارة إلـى أن تجريـم فعـل إصـدار شيـك بـدون رصيـد قـد ورد أيضـا فـي القانـون التجـاري وذلـك فـي نـص المـادة 538 منـه ، والتـي جـاء فيهـا :
* يعاقـب بالسجـن مـن سنـة إلـى خمـس سنـوات وبغرامـة لا تقـل عـن مبلـغ الشيـك أو عـن باقـي قيمتـه:
1. كـل مـن أصـدر عـن سـوء نيـة شيكـا ليـس لـه مقابـل وفـاء سابـق وقابـل للتصـرف فيـه ، أو كـان مقابـل الوفـاء أقـل مـن مبلـغ الشيـك أو تراجـع بعـد استصـدار الشيـك كامـل مقابـل الوفـاء أو بعضـه أو منـع المسحـوب عليـه مـن الوفـاء.
2. مـن قبـل عمـدا تسلـم الشيـك أو ظهـره وكـان هـذا الشيـك صـادرا فـي الأحـوال المشـار إليهـا فـي الفقـرة السابقـة مـع علمـه بـذلك.
3. كـل مـن أصـدر وقبـل وظهـر شيكـا علـى شـرط ألا يقبـض مبلغـه فـورا وإنمـا علـى وجـه الضمـان *.
وقـد وردت هـذه المـادة ، حسـب موقعهـا مـن القانـون التجـاري بالفصـل التاسـع المتعلـق بالتقـادم مـن البـاب الثانـي و الـذي عنوانـه الشيـك مـن الكتـاب الرابـع المتضمـن السنـدات التجاريـة ، مـن القانـون التجـاري و الـذي صـدر بموجـب الأمـر رقـم 75-59 المـؤرخ فـي 20 رمضـان عـام 1395 المـوافق لـ 26 سبتمبـر سنـة 1975 المتضمـن القانـون التجـاري المعـدل و المتمـم.
و الملاحـظ علـى هـذه المـادة هـو أن المشـرع قـد استعمل عبـارة * يعاقب بالسجن ...* في النص العربي بينما في النص الفرنسي ذكر* * EST PUNI D’UN EMPRISONNEMENT و هـذا لا يمكـن أن يفسـر علـى أنـه تناقـض بيـن النصيـن العربـي و الفرنسـي ، بـل إن قصـد المشـرع هنـا واضـح خـال مـن أي غمـوض و هـو يعنـي بهـا الحبـس و ليـس السجـن و هو مـا يؤكـده نـص المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات.
كمـا تجـدر الإشـارة إلـى أن المشـرع قـد نـص علـى تجريـم فعـل إصـدار الشيـك بـدون رصيـد فـي كـل مـن القانونيـن التجـاري والعقوبـات ، و بالعقوبـة نفسهـا مضيفـا فـي القانـون التجـاري حسـب نـص المـادة 540 بـأن مرتكـب جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد لا يستفيـد مـن الظـروف المخففـة المقـررة بالمـادة 53 مـن قانـون العقوبـات . عـدا حالتـي إصـدار أو قبـول شيـك دون مقابـل وفـاء. كمـا أضـاف القانـون نفسـه عقوبـات تبعيـة تتمثـل فـي الحرمـان مـن الحقـوق الوطنيـة المبينـة فـي نـص المـادة الثامنـة مـن قانـون العقوبـات سـواء بصفـة كليـة أو جزئيـة ، كمـا استوجبـت ذلـك المـادة 541 مـن القانـون التجـاري ، و قـد أجـازت الحكـم علـى المتهـم المـدان بعقوبـة حظـر الإقامـة كعقوبـة تكميليـة.
و لعـل هـذا التكـرار الـذي قصـده المشـرع مـن خـلال النـص علـى التجريـم فعـل إصــدار شيـك دون رصيـد و العقـاب عليـه، فـي القانـون التجـاري بعـد أن تناولهـا فـي قانـون العقوبـات ، هـو فـي حقيقـة الأمـر تأكيـد مـن قبلـه علـى
الحمايـة الجنائيـة التـي أراد أن يقـررهـا حمايـة للشيـك فـي حـد ذاتـه باعتبـاره أداة وفـاء تجـري مجـرى النقـود فـي المعامـلات .
المطلــــب الثـانـي : الركــن المــادي للجريمــة.
يتمثـل الركن المـادي فـي جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد فـي فعـل الإعطـاء مـع عـدم إمكـان السحـب ، والتعـرض للركـن المـادي بالشـرح والتفصيـل يقتضـي منـا التعـرض لمفهـوم الشيـك ومفهـوم مقابـل الوفـاء فـي الشيـك وهـو مـا عبـر عنـه المشـرع بلفـظ الرصيـد ، باعتبارهمـا العنصريـن الأساسييـن فـي الجريمـة.
ونتنـاول فيمـا يلـي الركـن المـادي بالتطـرق إلـى إصـدار الشيـك بتحريـره وطرحـه للتـداول فـي فـرع أول ، ثـم فـي فـرع ثـان نـدرس عـدم امكـان السحـب.
الفـــرع الأول : إصـــدار الشيـــك.
يفتـرض أن نقـوم بتحديـد مفهـوم الشيـك فـي مرحلـة أولـى ، ثـم نتطـرق إلـى فعـل إصـداره.
أولا: تعريـــف الشيـــك.
الشيـك هـو محـرر يقـوم مقـام النقـود فـي الوفـاء ، وبمعنـى آخـر هـو ورقـة تجاريـة تحـرر وفـق شـروط معينـة ، تتضمـن أمـرا مـن موقعهـا) الساحـب( موجهـا إلـى المسحـوب عليـه بـأن يدفـع إلـى المستفيـد أو لحاملـه مبلغـا معينـا مـن النقـود ، فالساحـب هـو الـذي يصـدر الشيـك و يوقـع عليـه، أمـا المسحـوب عليـه فهـو البنـك أو أيـة مؤسسـة ماليـة يـودع السـاحب رصيـده لديهـا ، والمستفيـد هـو صاحـب الحـق أو الدائـن الـذي يصـدر الشيـك باسمـه وأحيانـا يحـرر الشيـك لحاملـه أي دون تعييـن اسـم الساحـب وهـذا جائـز.
وبالرجـوع إلـى قانـون العقوبـات ، لا يوجـد نـص يعـرف الشيـك ، لكـن باستقـراء نـص المـادة 472 مـن القانـون التجـاري نجدهـا قـد عرفـت الشيـك علـى أنـه أمـر
مكتـوب مـن الساحـب إلـى المسحـوب عليـه بـأن يدفـع بمجـرد الإطـلاع عليـه مبلغـا مـن النقـود لمصلحـة مـن يحـدده الأمـر ، كمـا حـددت نفـس المـادة البيانـات التي يجـب أن يحتـوي عليهـا الشيـك .
وقـد استقـرت المحكمـة العليـا علـى اعتبـار الشيـك أداة وفـاء ودفـع ، وليـس أداة قـرض وائتمـان ، وعليـه فـان الأمـر بالدفـع لا يجـب أن يكـون بـأي حـال مـن الأحـوال معلقـا علـى شـرط سـواء كـان واقفـا أو فاسخـا .
لكـن حتـى يـؤدي الشيـك الوظيفـة التـي وجـد لأجلهـا و حتـى يكـون ورقـة تجاريـة يعتـد بهـا كسنـد بمفهـوم القانـون التجـاري فـان المشـرع استوجـب أن تتوافـر فيـه جملـة مـن الشـروط الشكليـة و الموضـوعية وهـذا مـا سنتناولـه فيمـا يلـي:
1-الشروط الشكلية:
مـن أهـم البيانـات الواجـب توفرهـا فـي الصـك استوجـب المشـرع أن يكـون مكتوبـا ، فلا يعـرف الشيـك الشفهـي لأنـه ورقـة تجاريـة ويحـرر بأيـة لغـة متعـارف عليهـا ، لكـن الـدارج أن يكتـب باللغـة السائـدة فـي المجتمـع .
كمـا يجـب أن يتضمـن الشيـك توقيـع الساحـب ذلـك أن هـذا الأخيـر يفيـد صـدور الشيـك مـن الساحـب ، وبـدونه لا يكـون للشيـك أيـة قيمـة .هـذا و يجـب أن يكـون التوقيـع بيـد الساحـب لا بالآلـة الكاتبـة أو بأيـة وسيلـة أخـرى.
ويضيـف المشـرع فـي القانـون التجـاري وجـوب احتـواء الشيـك علـى اسـم المسحـوب عليـه وهـو الـذي يصـدر إليـه أمـر السـاحب بدفـع قيمـة الشيـك، فـإذا لـم يحـدد المسحـوب عليـه فـي الشيـك ، يفقـد الصـك صفتـه هـذه ويصلـح فقـط لتحديـد علاقـة المديونيـة بيـن الساحـب والمستفيـد ، لكـن عمليـا تحـرر الشيكـات علـى نمـاذج مطبوعـة تتضمـن اسـم المسحـوب عليـه الـذي هـو مؤسسـة ماليـة أو مصرفيـة ، كمـا يجـب أن يكـون الساحـب غيـر المسحـوب عليـه.
ولا يلـزم قبـول المسحـوب عليـه الشيـك قبـل الوفـاء بقيمتـه ، إذ يفتـرض أن يكـون للشيـك بطبيعتـه مقابـل الوفـاء وقـت إعطائـه مـن الساحـب لـدى المسحـوب عليـه فالشيـك يقـدم إليـه للوفـاء لا للقبـول .
فضـلا عـن البيانـات السابـق ذكرهـا أعـلاه يستوجـب القانـون أن يذكـر اسـم المستفيـد وهـو الشخـص الـذي يحـرر الشيـك لمصلحتـه ( سـواء كـان شخصـا طبيعيـا أو معنويـا ) وقـد يتعـدد المستفيـدون ، ففـي هـذه الحالـة يجـب الوفـاء لهـم مجتمعيـن أو لأحدهـم إذا تقـدم عـن نفسـه وبالوكالـة عـن الباقيـن لصـرف قيمـة الشيـك.
ومتـى كـان الشيـك أداة وفـاء و دفـع فـان المشـرع يشتـرط أن يتضمـن وجوبـا أمـرا بالدفـع يوجهـه الساحـب إلـى المسحـوب عليـه ، علـى أن يكـون الأمـر بالدفـع غيـر معلـق علـى شـرط واقـف أو فاسـخ ، وأن ينصـب الأمـر علـى مبلـغ معيـن مـن النقـود.
و مـن قبيـل البيانـات التـي ينبغـي تواجدهـا بالشيـك هـو مكـان سحـب الشيـك و الوفـاء بـه وان كـان لا يعتبـر مـن البيانـات الجوهريـة ، إذ أن إغفالـه لا أثـر لـه علـى طبيعـة الورقـة كشيـك ويكـون محـل الدفـع هـو محـل سحـب الشيـك غيـر أنـه لا مانـع مـن اختلافهمـا. بالإضافـة إلـى وجـوب ذكـر تاريـخ سحـب الشيـك علـى الرغـم مـن كونـه مستحـق الدفـع دائمـا بمجـرد الإطـلاع عليـه ويترتـب علـى ذلـك ضـرورة أن يثبـت بالشيـك تاريـخ واحـد فقـط الـذي هـو تاريـخ الاستحقـاق ولا يضيـره إذا كـان خاليـا منـه لأنـه أصـلا قابـل للوفـاء بمجـرد الإطـلاع.
2 - الشروط الموضوعية :
طالمـا كـان تحريـر الشيـك والتوقيـع عليـه مـن الساحـب تصرفـا قانونيـا فإنـه يشتـرط لصحتـه وجـوب توافـر جملـة مـن الشـروط الموضـوعية التـي تتعلـق بالأهليـة والرضـا والمحـل والسبـب .
إذ تكتمـل أهليـة الشخـص المدنيـة بتمـام بلوغـه 19 سنة كاملـة ، كمـا هـو مقـرر بنـص المـادة 40 مـن الفانـون المدنـي ، أمـا الأهليـة الجزائيـة فإنهـا تعتبـر متوافـرة ومكتملـة متـى بلـغ الشخـص 18 سنـة كاملـة عمـلا بنـص المـادة 442 مـن فانـون الإجـراءات الجزائيـة ، وهـذا مـا يهمنـا فـي موضـوع بحثنـا هـذا ، والـذي نحـن بصـدد دراستـه ذلـك أن المسؤوليـة الجزائيـة للساحـب الـذي أصـدر شيكـا بـدون رصيـد تكـون قائمـة متـى بلـغ سن الرشـد الجزائـي لا المدنـي .
و لا يكفـي أن يكـون الشيـك صـادرا عـن ذي أهليـة بـل يقتضـي الأمـر أن يكـون إصـدار الشيـك مبنيـا علـى رضـا صحيـح خـال مـن العيـوب المنصـوص عليـه فـي القانـون المدنـي مـن غلـط أو تدليـس أو إكـراه والتـي مـن شأنهـا أن تعـدم التصـرف مـن أساسـه أو تجعلـه معيبـا و ناقصـا.
كمـا يستوجـب الأمـر أن يكـون محـل الالتـزام فـي الشيـك مبلغـا محـددا مـن النقـود وليـس شيئـا آخـر حتـى يستحـق وصفـه كشيـك بمفهـوم القانـون التجـاري.
بالإضافـة إلـى السبـب الـذي يـراد بـه أسـاس الالتـزام بالشيـك علـى أن يكـون مشروعـا ، وإذا كـان عـدم مشروعيـة السبـب يؤثـر علـى مصيـر الدعـوى المدنيـة بالرفـض فإنـه يبقـى عديـم الأثـر علـى الدعـوى الجزائيـة طالمـا توافـرت أركـان إحـدى جرائـم الشيـك ، فالمسؤوليـة الجزائيـة لا تتأثـر بالسبـب أو البـاعث الـذي أعطـي مـن أجلـه الشيـك كمـا استقـرت علـى ذلـك المحكمـة العليـا فـي اجتهادهـا.
وعمومـا ، فـإن تطلـب بعـض البيانـات فـي الشيـك لا يعنـي ضـرورة وجـود شيـك ماديـا لإمكـان الحكـم بالعقوبـة فـي إحـدى جـرائم الشيكـات ، فـلا ينفـي وقـوع الجريمـة عـدم وجـود أصل الشيـك لـدى المحكمـة سـواء كـان ذلك لإتلافـه أو فقـده أو سرقته أو لغير ذلـك مـن الأسبـاب ، فيكفـي أن يثبـت لـدى المحكمـة أن ثمـة شيكـا قـد أصـدره الساحـب لا يقابلـه رصيـد ، ولهـا أن تكـون عقيدتـها فـي هـذا الموضوع بكافـة طـرق الإثبات .
وممـا ذهبت إليـه المحكمة العـليا فـي هـذا الصدد فـي اجتهادها مـا جـاء فـي قـرارها الصادر بتـاريخ 27.مارس 2000 : *......أن عـدم وجـود الشـيك عنـد المحاكمة لا ينفـي بتاتـا وقوع الجريمة متـى قـام الدليل عـلى سبـق وجـوده مستوفيا شرائطـه القانـونية وللمحكمة أن تكـون عقيدتـها بكافـة طرق الإثبات ......
أن القضاة غيـر مقيدين بقواعد الإثبات المقررة فـي القـانون المدني والقـانون التجاري وأنـه يحق لهـم الأخـذ بالصورة الشمسيـة كدليـل فـي الدعوى أو بشهادة عـدم الدفع أو اعتراف المتهـم أو أي وثيقـة أخـرى*
ومـن اجتهاداتهـا أيضـا مـا استقـرت عليه مـن خـلال قرارها الصادر بتـاريخ 27فيفـري 2000 والـذي جـاء فيـه : * مـن المستقـر فقـها وقضـاء أن عـدم وجـود أصـل الشيـك بالملـف لا ينفـي وقـوع الجريمة المنـصوص عـليها فـي الـمادة 374 مـن فانــون العقوبـات .
وأنـه يحـق لجهـة الحكـم أن تأخـذ بالصـورة الشمسيـة للشيـك محـل المتابعـة كدليـل للإثبـات ، وأنهـا غيـر مقيـدة بالقواعـد المقـررة فـي القانـون المدنـي أو التجـاري.
وعليـه فـإن القضـاء ببـراءة المتهـم علـى أسـاس عـدم وجـود أصـل الشيـك عـرض القـرار المطعـون فيـه للبطـلان*
ثانيـــا:لشيــك وطرحـه للتـــداول :
وقبـل تنـاول إنشـاء الشيـك وطرحـه للتـداول ، يجـب أن نميـز بيـن إصـدار الشيـك وإنشـاءه ، فإنشـاء الشيـك يكمـن فـي كتابتـه و هـو سابـق علـى الإصدار الـذي هـو مـن قبيـل الأعمـال التحضيريـة التـي لا يعاقـب عليهـا القانـون تحريـر الشيـك دون طرحـه للتـداول طالمـا لـم يسلـم إلـى المستفيـد ، ومـن ثمـة فـإن جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد هـي جنحـة مركبـة مـن عنصريـن : إنشـاء الشيـك بكتابتـه وتحريـره ، ثـم طرحـه فـي التـداول بتسليمـه إلـى المستفيـد.
إذا فـإن الركـن المـادي للجريمـة لا يقـوم علـى مجـرد تحريـر الشيـك وإنمـا يتعـدى ذلـك إلـى إعطائـه للمستفيـد ، أمـا تقديـم الشيـك إلـى المسحـوب عليـه ( البنـك مثـلا ) فـلا شـأن لـه فـي توافـر أركـان الجريمـة فهـو إجـراء مـادي متجـه إلـى استيفـاء مقابـل الشيـك و إفـادة البنـك بعـدم وجـود الرصيـد ليسـت إلا إجـراء كاشـف للجريمـة.
ثالثــا : شـروط التخلـي لقيـام النشـاط الإجـــرامي :
إن التخلـي الواجـب لقيـام النشـاط الإجرامـي ينبغـي أن يكـون نهائيـا : فـإذا كـان فعـل الإعطـاء يستلـزم خـروج الشيـك مـن حيـازة الساحـب إلا أن هـذا الخـروج متوقـف علـى أن يكـون نهائيـا ، ويتـم ذلـك بانتقـال الشيـك مـن حـوزة الساحـب إلـى المستفيـد نهائيـا ولمـا كـان مـن الجائـز للساحـب استـرداد الشيـك مـن المـودع لديـه إذا قدمـه علـى وجـه الوديعـة ، فـإن التخلـي هنـا لا يكـون نهائيـا .
كمـا يقتضـي الأمـر أن يكـون التخلـي إراديـا ؛ ففعـل الإعطـاء لا يقتصـر علـى كـون التخلـي نهائيـا وإنمـا يتعـداه بانصـراف إرادة الساحـب إلـى التخلـي عـن حيـازة الشيـك ، فبانتفـاء هـذه الإرادة ينتفـي الركـن المـادي للجريمـة ، ومـن ذلـك فـإذا فقـد الشيـك أو سـرق وبـادر الساحـب بإصـدار أمـر بعـدم الدفـع فإنـه يكـون بامكـان الساحـب إثبـات أن لا دخل لإرادتـه فـي التخلـي عـن حيـازة الشيـك وبذلـك يكـون الركـن المـادي للجريمـة غيـر قائـم .
ومـن اجتهـاد القضـاء الجزائـري فـي ذلـك ما جـاءت به المحكمـة العليـا فـي قرارهـا الصـادر فـي 24 جويليـة 1994 : * إذا كـان مـن الجائـز المعارضـة فـي دفـع قيمـة الشيـك فـي حالـة السرقـة فـإن هـذا موقـوف على تقديـم الدليـل القاطـع ، ذلـك أن الادعـاء المدنـي وحـده لا يكفـي فـي غيـاب حكـم أو قـرار قضـائي نهائـي يؤكـد الادعـاء .*
الفــرع الثانــي : عــدم إمكــان السحــب
ينبغـي لاكتمـال قيـام الركـن المـادي للجريمـة ألا يتمكـن المستفيـد مـن سحـب الرصيـد أو أن يكـون هـذا الأخيـر غيـر كـاف و قبـل أن نتنـاول هـذا العنصـر بالشــرح و التفصيـل ينبغـي أولا إعطـاء مفهـوم للرصيـد، ،وتحديـد شروطـه فيمـا يلـي :
أولا: تعريـف مقابـل الوفـاء فـي الشيـك(الرصيـد ) .
إن الرصيـد هـو عبـارة عـن ديـن نقـدي للساحـب فـي ذمـة المسحـوب عليـه مسـاو علـى الأقـل لقيمـة الشيـك ويجـب أن تتوافـر فـي المقابـل النقـدي (الرصيـد) جملـة مـن الشـروط كـأن يكـون مبلغـا مـن النقـود ذلـك أن الشيـك يتضمـن أمـرا بدفـع مبلـغ مـن النقـود صـادر مـن الساحـب إلـى المسحـوب عليـه ممـا يقتضـي بالضـرورة أن يكـون الرصيـد مبلغـا مـن النقـود وبمفهـوم المخالفـة أنـه إذا كـان مقابـل الوفـاء مـالا آخـر غيـر النقـود كـان الشيـك بغيـر رصيـد واستحـق لذلـك العقـاب ، علـى أن يكـون الرصيـد معيـن المقـدار وخاليـا مـن النـزاع ، ولا يهـم مصـدر الديـن النقـدي الـذي فـي ذمـة المسحـوب عليـه طالمـا ثبـت وجـوده .
وتثـار إشكاليـة تسليـم الساحـب للأوراق التجاريـة للمسحـوب عليـه قصـد تحصيـل قيمتهـا ، فهـل تصلـح هـذه الأوراق مقابـلا للوفـاء؟
إذا كـان صحيحـا أن الأوراق التجاريـة تمثـل قـدرا مـن المـال إلا أنهـا لا تصلـح رصيـدا قبـل تحصيـل قيمتهـا و يكـون بذلـك الشيـك بغيـر رصيـد ، أمـا إذا تـم تحصيـل قيمـة هـذه الأوراق فـإن نقديـة مقابـل الوفـاء تكـون قـد تحققـت وفـي هـذا الصـدد قضـي فـي فرنسـا بأن تسلـم البنـك سفاتـج لخصمهـا ووضعهـا فـي الرصيـد الدائـن للعميـل ليـس احتمـال للدائنيـة لا يعـد إيجـادا للرصيـد القابـل للسحـب المستحـق الأداء .
كمـا يستوجـب الأمـر أن يكـون الرصيـد قائمـا وقـت إصـدار الشيـك بمـا أن هـذا الأخيـر هـو أداة وفـاء مستحـق الأداء لـدى الإطـلاع ، أي بمجـرد إنشـاءه فـإن ذلـك يعنـي أن يكـون رصيـد الشيـك قائمـا منـذ إصـداره .
كمـا يجـب أن يكـون مقابـل الوفـاء موجـودا عنـد سحب الشيـك ، فـلا يكفـي فـي جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد أن يكـون الرصيـد قائمـا وقـت إصـدار شيـك ولكـن يتعيـن أن يظـل كذلـك حتـى يقـدم الشيـك بالصـرف .ويتـم الوفـاء بقيمتـه ، وفـي هـذا السيـاق نجـد الاجتهـاد المصـري يؤكـد علـى : * وجـوب توافـر الرصيـد القائـم والقابـل للسحـب وقـت إصـدار الشيـك ولأن يظـل كذلـك حتـى يقـدم الشيـك إلـى المصـرف ويتـم الوفـاء بقيمتـه ، تخلـف ذلـك الرصيـد فـي أي وقـت خـلال تلـك الفتـرة ، أثـره ، توافـر جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد فـي حـق مصـدره........تقديـم الشيـك للصـرف إجـراء مـادي يتجـه إلـى استيفـاء مقابلـه ولا شـأن لـه فـي توافـر أركـان الجريمـة *
كمـا أن مـن بيـن الشـروط الواجـب توافرهـا فـي الرصيـد هـوان يكـون قابـلا للتصـرف بموجـب الشيـك، فكمـا سبـق ذكـره أعـلاه فـإن كـون الشيـك مستحـق الوفـاء لـدى الإطـلاع يستوجـب أن يكـون مقابـل الوفـاء بـه دينـا نقديـا في ذمـة المسحـوب عليـه، محقـق الوجـود ، معيـن المقـدار ، مستحـق الأداء وأن يكـون قابـلا للسحـب بموجـب شيـك .
فيشتـرط أن يكـون الرصيـد دينـا محقـق الوجـود ونميـز فـي هـذا الصـدد بيـن حالتيـن ، فـإذا كـان مقابـل الوفـاء بشيـك محتمـلا أو معلقـا علـى شـرط واقـف ولـم يتحقـق هـذا الشـرط حتـى وقـت الإصـدار فـإن الرصيـد يعتبـر غيـر قائـم ،أمـا إذا كـان الديـن معلقـا علـى شـرط فاسـخ فإنـه يصلـح أن يكـون مقابـلا للوفـاء بالشيـك طالمـا أن الشـرط لم يتحقـق حتـى إصـدار الشيـك ، فـي حيـن أنـه إذا تحقـق الشـرط الفاسـخ قبـل التقديـم الشيـك للوفـاء فـإن أثـره ينسحـب إلـى الماضـي ويعتبـر الرصيـد كـأن لـم يوجـد أصـلا منـذ إصـدار الشيـك وتقـوم بذلـك جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد .
ويقصـد بـأن يكـون الرصيـد ديـن مستحـق الأداء وقـت إصـدار الشيـك أن يتـم الوفـاء بقيمتـه بمجـرد الإطـلاع عليـه، فـإذا كـان الديـن مرتبطـا بأجـل لـم يحـل وقـت إصـدار الشيـك يكـون الرصيـد غيـر قائـم ، علـى أن يكـون ديـن مقابـل الوفـاء معيـن المقـدار وخاليـا مـن النـزاع وقـت إصـدار الشيـك بحيـث يتـم الوفـاء بقيمتـه بمجـرد الإطـلاع عليـه وبمفهـوم المخالفـة أنـه إذا كـان ديـن مقابل الوفـاء موضـوع نـزاع لم يفصـل فيـه فـإن الشيـك يعـد فـي هـذه الحالـة بـلا رصيـد كـأن يكـون مثـلا ديـن مقابـل الوفـاء حسـاب جـاري موضـوع تصفيـة فيصبـح الديـن محتمـلا وغيـر محـدد المقـدار إلـى غايـة تصفيـة الحسـاب.
كمـا يجـب أن يكـون الرصيـد قابـلا للتصـرف فيـه بموجـب شيـك وهـو مـا تؤكـده المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات والتـي تعاقـب علـى إصـدار شيـك لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للسحـب .
أمـا أن يكـون مقابـل الوفـاء مساويـا علـى الأقـل بقيمـة الشيـك يعنـي إمكانيـة استيفـاء كـل المبلـغ ، فـإذا كـان أقـل مـن قيمـة الشيـك فـلا يعـد مقابـل الوفـاء قائمـا وبالتالـي تقـوم جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد .
وعمومـا ، فإنـه يجـب توافـر الرصيـد القائـم والقابـل للسحـب وقـت إصـدار الشيـك و أن يظـل كذلـك حتـى يقـدم الشيـك للصـرف ويتـم الوفـاء بقيمتـه ، لأن تقديـم الشيـك للصـرف لا شـأن لـه فـي توافـر أركـان الجريمـة بـل هـو إجـراء مـادي يتجـه إلـى استيفـاء مقابـل الشيـك ومـا إفـادة البنـك بعـدم وجـود الرصيـد إلا إجـراء كـاشف للجريمـة التـي تحققـت بإصـدار الشيـك.
ثـانيا : عـدم إمكـان السحـب(عـدم وجـود رصيـد كـاف )
بالرجـوع إلـى نـص المـادة 374 مـن قانـون العقـوبات ، نجـد أن عـدم وجـود رصيـد كـاف يمكـن أن يكـون علـى أربـع أشكـال ، ثـلاثة منهـا منصـوص عليهـا فـي الفقـرة الأولـى مـن المـادة المذكـورة ، أمـا الشكـل الرابـع فنستخلصـه مـن خـلال الفقـرة الثـانية وهـو مـا نعـالجه فـي الأوضـاع الآتيـة:
1- عـدم وجـود رصيـد كـاف وقابـل للسحـب:
تتخـذ هـذه الصـورة بـدورها ثـلاث حـالات ، فقـد يكـون الرصيـد غيـر موجـود إطلاقـا أو موجـود لكـن غيـر كـاف أو أن يكـون موجـودا وكـافيا إلا انـه غيـر قابـل للسحـب .
-الحـالة الأولـى: عـدم وجـود الرصيـد إطـلاقا .
يقـوم الركـن المـادي للجريمـة إذا لـم يكـن للساحـب رصيـد مـودع لـدى المسحـوب عليـه ولـو كـان المستفيـد يعلـم وقـت إعطـائه الشيـك بأنـه لا يقابـله رصيـد ، ولعـل العبـرة مـن ذلـك ليـس مجـرد حمـاية المستفيـد فحسـب وإنمـا يعـدو ذلـك بحمـاية الثقـة فـي الشيـك باعتبـاره أداة وفـاء تجـري مجـرى النقـود فـي المعـاملات، بـل أن المستفيـد ذاتـه يعـاقب بقبـوله الشيـك بـدون رصيـد مـع علمـه بذلـك .
والعبـرة فـي وجـود الرصيـد مـن عدمـه تكـون بتـاريخ إصـدار الشيـك ) بإنشـائه وطـرحه للتـداول ( ويفتـرض أن يكـون هـذا التـاريخ مطـابقا للتـاريخ المـدون علـى الشيـك يعنـي تـاريخ الاستحقـاق ولا يهـم إن ملـئ الرصيـد بعـد الإصـدار أو تصـدير قيمـة الشيـك لاحقـا علـى إصـداره سـواء قبـل المتـابعة أو بعـدها ، وقـد استقـرت المحكمـة العليـا فـي العـديد مـن قـراراتها علـى أن : * ......تسـديد قيمـة الشيـك للمستفيـد لاحقـا علـى إصـداره وهـو بـدون رصيـد لا يـؤثر فـي قيـام الجنحـة التـي تبقـى قـائمة بمجـرد أن يسلـم الجـاني الشيـك إلـى المستفيـد مـع علمـه بأنـه بـدون رصيـد بصـرف النظـر عـن تسـوية وضعيتـه بعـد ذلـك * .
وكذلـك : *إن تسـديد قيمـة الشيـك قبـل المتـابعة أو بعـدها لا يـؤثر في شـيء فـي قيـام جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد التـي تلتئـم عناصـرها بتسليـم شيـك للمستفيـد لا يقابـلها رصيـد أو يقابـله رصيـد غيـر كـاف *
وبمفهـوم آخـر ، يجـب أن يكـون الرصيـد قائمـا قبـل وضـع الشيـك للتـداول ، أي قبـل الإصـدار أو علـى الأقـل أن يكـون موجـودا عنـد تقـديم الشيـك للدفـع .
وفـي نفـس السيـاق ، نجـد أن المحكمـة العليـا فـي قرارهـا الصـادر بتـاريخ 08 أكتـوبر 1985 اعتبـرت أنـه : *مـادام الرصيـد غيـر كـاف عنـد تقـديم الشيـك للدفـع تقـوم الجريمـة بصـرف النظـر عمـا إذا كـان الرصيـد كافيـا عنـد تحريـر الشيـك لأن انعـدام الرصيـد عنـد تقـديم شيـك للدفـع يعـد جريمـة وكـذا سحـب الرصيـد قبـل تسـديد مبلـغ الشيـك * .
وفـي قـرار آخـر لهـا صـادر فـي 23 مـارس 1998 جـاء فيـه : * تتحقـق جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد بمجـرد أن يصـدر المتهـم شيكـا دون التـأكد مـن أن رصيـده قائـم وموجـود عنـد إصـداره والحـرص علـى أن يبـق كذلـك إلـى غـاية سحـب المستفيـد مبلـغ الشيـك * .
- الحـالة الثـانية :أن يكـون الرصيـد موجـودا لكنـه غيـر كـاف.
قـد يكـون للساحـب رصيـد لـدى المسحـوب عليـه لكنـه غيـر كـاف لدفـع قيمـة الشيـك فتقـوم فـي هـذه الحـالة الجريمـة ولـو حصـل المستفيـد علـى الرصيـد الغيـر كـاف الموجـود ولا يهـم قيمـة النقـص فـي الرصيـد عـن قيمـة الشيـك مـن حيـث تفاهتهـا أو جسامتهـا لقيـام الجريمـة ، فالعبـرة بعـدم كفايـة مقابـل الوفـاء لتسـديد مبلـغ الشيـك.
- الحـالة الثـالثة : أن يكـون الرصيـد موجـودا وكـاف ولكنـه غيـر قابـل للسحـب .
وتتحقـق هـذه الحـالة بتـوافر الرصيـد الكـافي لـدى المسحـوب عليـه مـع عـدم إمكـانية السحـب بسبـب الحجـز القضـائي مثـلا ، أوفـي حـالة مـا إذا كـان السـاحب تـاجرا أشهـر إفـلاسه .
والعبـرة لوقـوع الجريمـة أن يكـون الرصيـد غيـر قابـل للسحـب وقـت إعطـاء الشيـك أمـا إذا حـدث وأن تحققـت عـدم قابليـة للسحـب بعـد إعطـاء الشيـك
فـإن الجريمـة تنتفـي فـي هـذه الحـالة كـأن يصـدر الساحـب الشيـك ثـم يحجـز علـى مـاله لـدى المسحـوب علـيه أو يشهـر إفـلاسه وبالتـالي فـإنه يشتـرط فـي هـذه الحـالة أن يكـون السـاحب علـى علـم بعـدم قابليـة السحـب و إلا انتفـت مسؤوليتـه .
2-سحـب الرصيـد كلـه أو بعضـه بعـد إصـدار الشيـك :
لا يكفـي أن يكـون الرصيـد كافيـا وقابـلا للسحـب وقـت إصـدار الشيـك ، وإنمـا يجـب أن يظـل الرصيـد تحـت تصـرف المستفيـد إلـى حيـن الحصـول علـى مقابـل الشيـك وبالتالـي فـإن الركـن المـادي لجنحـة إصـدار الشيـك بـدون رصيـد يكـون قائمـا متـى قـام السـاحب بأخـذ جـزء أو كـل الرصيـد بحيـث يصـبح البـاقي غيـر كـاف للوفـاء بقيمـة الشيـك . وبمعنـى آخـر يجـب أن يكـون الرصيـد قائمـا وقـت إصـدار الشيـك وأن يبقـى كذلـك إلـى حيـن الوفـاء بقيمتـه فتقـوم الجريمـة حتـى وإن تـأخر المستفيـد فـي صـرفه الشيـك علـى المواعيـد التـي قـررتها المـادة 501 مـن القانـون التجـاري وهـو مـا خلـص إليـه القضـاء الجـزائري ، بحيـث اعتبـرت المحكمـة العليـا أن تقـديم الشيـك بعـد تـاريخ الاستحقـاق أي بعـد المـدة التـي يقـدم فيهـا للوفـاء المحـددة فـي المـادة 501 مـن القـانون التجـاري ب 20 يـوم يعتبـر كافيـا لقيـام الجريمـة .
وعلـة ذلـك مـن خـلال قـرارات المحكمـة العليـا تكمـن فتي أنـه بإصـدار الشيـك تنتقـل ملكيـة الرصيـد إلـى ذمـة المستفيـد ، وكذلـك بالرجـوع إلـى نـص المـادة 503 مـن القـانون التجـاري فـي فقـرتها الأولـى نجـد أنـه فـي حالـة توافـر الرصيـد يجـب علـى المسحـوب عليـه استيفـاء قيمـة الشيـك حتـى بعـد انقضـاء الأجـل المحـدد لتقـديمه .
* إن تقـديم الشيـك خـارج ميعـاد الدفـع المحـدد فـي نـص المـادة 501 مـن القـانون التجـاري لا ينفـي قيـام جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد ذلـك أنـه مـا أن يصـدر الساحـب الشيـك تنتقـل ملكيـة الرصيـد لذمـة المستفـيد والساحـب لا يتمتـع بـأي حـق علـى الرصيـد المقابـل للمبـلغ المسحـوب بـواسطة الشيـك * .
وفـي قـرار آخـر صـادر فـي 24 .01. 2000 اعتبـرت المحكمـة العليـا :* أن تقـديم الشيـك للمخـالصة خـارج أجـل 20 يـوم مـن تـاريخ تحريـره لا يـؤثر فـي قيـام الجريمـة فـإذا كـانت المـادة 501 الفقـرة الأولـى مـن القانـون التجـاري قـد حـددت أجـل تقـديم الشيـك للمخـالصة ب 20 يـوما مـن تـاريخ الإصـدار ، فـإن المـادة 503 الفقـرة الأولـى مـن القانـون نفسـه تنـص علـى انـه فـي حالـة توافـر الرصيـد يجـب علـى المسحـوب عليـه أن يستـوفي قيمـة الشيـك حتـى بعـد انقضـاء الأجـل المحـدد لتقـديمه *
ومـن قـراراتها أيضـا : * يجـوز تقـديم الشيـك للمخـالصة قبـل اليـوم المعيـن فيـه كتـاريخ لإصـداره*
3- إصدار أمر للمسحوب عليه لعدم الدفع :
ويقـوم الركـن المـادي فـي هـذه الحـالة بأمـر الساحـب المسحـوب عليـه – وذلـك بعـد إصـدار الشيـك – بعـدم دفـع قيمتـه ، فتقـع الجريمـة بمجـرد صـدور الأمـر بعـدم الدفـع ، إلا أن المشـرع الجـزائري أبـاح المعـارضة فـي دفـع قيمـة الشيـك فـي حالـة ضـياعه أو تفليـس حامـله وهـو مـا استقـرت عليـه المحكمـة العليـا مـن خـلال قـرارها الصـادر فـي 10. 12. 1981 بحيـث اعتبـرت أنـه : * لا يمكـن للسـاحب المعـارضة فـي دفـع الشيـك إلا فـي الحـالات المنصـوص عليهـا فـي المـادة 503 مـن القـانون التجـاري وهـي حـالات فقـدان الشيـك أو إفـلاس حاملـه *
كمـا أن القانـون المصـري يبيـح المعـارضة فـي دفـع قيمـة الشيـك فـي حالـة سرقتـه وقـد أخـذ القضـاء الجـزائري بهـذه الحـالة إلا أنـه متشـدد فـي قبـولها ،
بحيـث يكـون ذلـك متوقفـا علـى تقديـم الدليـل القـاطع علـى قيـام السـرقة ، وفـي هـذا الصـدد قضـت المحكمـة العليـا فـي قـرارها الصـادر فـي 24. 07 .1994 بأنه : * إذا كـان مـن الجـائز المعـارضة فـي دفـع قيمـة الشيـك فـي حالـة السـرقة فـإن هـذا متـوقف علـى تقديـم الدليـل القـاطع ذلـك أن الادعـاء المـدني وحـده لا يكفـي فـي غيـاب حكـم أو قـرار قضـائي نهـائي يـؤكد الادعـاء *
وفـي قـرار آخـر قضـت انـه : * إذا كـانت سـرقة الشيـك مـن صـاحبه مـن الأسبـاب التـي تعفيـه مـن المسـؤولية الجـزائية فـي حالـة إصـداره دون رصيـد فـإن الأخـذ بهـذا الدفـع يقتضـي بالضـرورة إثبـات واقعـة السـرقة بوثيقـة صـادرة عـن الجهـات المختصـة وهـذا غـير وارد فـي القـرار المطعـون فيـه * .
4- قبول أو تظهير شيك صادر في الظروف المذكورة سابقا مع العلم بذلك:
وهـي الحـالة التـي أشـارت إليهـا المـادة 374 فـي فقـرتها الثـانية ، ففضـلا عـن معاقبـة السـاحب الـذي يصـدر شيكـا دون رصيـد أو كـان رصيـده أقـل مـن قيمـة الشيـك أو قـام بسحـب الرصيـد كلـه أو بعضـه بعـد إصـدار الشيـك أو منـع المسحـوب عليـه مـن صـرفه ، فـإن القانـون يجـرم كذلـك قبـول المستفيـد لشـيك دون رصيـد أو تظهيـره لـه مـع علمـه بذلـك ، وبمعنـى آخـر فـإذا كـان المستفيـد يعلـم أن السـاحب أصـدر لـه شيـكا دون رصيـد أو أن مقابـل الوفـاء أقـل مـن قيمـة الشيـك أو أن السـاحب قـام بسحـب جـزء مـن الرصيـد أو كلـه بعـد إصـدار الشيـك أو أصـدر أمـرا للمسحـوب عليـه بعـدم الصـرف ، ورغـم ذلـك قـام بقـبول أو تظهيـر هـذا الشيـك ، فإنـه لا يفـلت مـن العقـاب شأنـه فـي ذلـك شـأن السـاحب الـذي أصـدر شيـكا بـدون رصيـد ، وإن كـان الهـدف مـن عقـاب هـذا الأخيـر هـو حمـاية الثقـة فـي المعـاملات بالشيـك لاسيمـا أنـه أداة وفـاء تجـري مجـرى النقـود فـي المعـاملات بيـن الأفـراد . ...........
المطلــب الثـالـث : الركـن المعـنـوي .
بعـد أن تطرقنـا فـي المطلبيـن الأول والثـاني مـن هـذا المبـحث إلـى الركنيـن الشرعـي و المـادي الـلازمين لقيـام الجريمـة نتطـرق الآن إلـى الركـن المعنـوي الـواجب توافـره لاكتمـال جسـم جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد وسنعـالج هـذا الركـن مـن حيـث طبيعتـه و نـوع القصـد الجنـائي المتطلـب فـي الجريمـة بالإضـافة إلـى وقـت توافـر العلـم بعـدم وجـود الرصـيد وأخيـرا عـبء إثبـات توافـر القصـد الجنـائي، وسنعـالج هـذه العنـاصر فـي ضـوء القانـون والاجتهـاد القضـائي الجـزائري وكـذا الاجتهـاد القضـائي المصـري والفرنسـي فيمـا يلـي:
الفـرع الأول : طبيـعة القصـد الجنـائي المتطـلب فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد.
تعتبـر جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد مـن الجـرائم العمـدية ، وهـذا مـا يستفـاد مـن نـص المـادة 374 مـن قانـون العقـوبات ، حيـث يشتـرط لقيـام الجريمـة توافـر القصـد الجنـائي العـام ، هـذا الأخيـر الـذي يتوافـر بوجـود عنصـري العلـم والإرادة ، ذلـك أتـه يجـب أن تتجـه إرادة الجـاني صـوب تحقيـق الفعـل المكـون للركـن المـادي فـي الجريمـة ، وأن تكـون هـذه الإرادة مسئـولة جنـائيا ، أي يتـوفر لـها التمييـز والإدراك والاختيـار ، كمـا يلـزم أن يحيـط الجـاني علمـا بعناصـر الجريمـة ، وبالتـالي يتحقـق القصـد الجنـائي بمجـرد علـم الساحـب بأنـه وقـت إصـدار الشيـك لـم يكـن لـه مقابـل الوفـاء ، أو أن مقابـل الوفـاء أقـل مـن قيمـة الشيـك ، كمـا يتحقـق بـأن يستـرد الساحـب مقابـل الوفـاء كلـه أو بعضـه ، وهـو يعلـم بـان قيمـة الشيـك لـم تدفـع بعـد للحامـل ، كمـا أن مجـرد إصـدار الأمـر بعـدم الدفـع يتوافـر بـه القصـد الجنـائي بمعنـاه العـام ، الـذي يكـفي فيـه علـم مـن أصـدره بأنـه يعطـل دفـع الشيـك الـذي سحبـه مـن قبـل ولا عبـرة بعـد ذلـك بالأسبـاب التـي دفعتـه إلـى إصـداره لأنهـا مـن قبيـل البـواعث
التـي لا تأثيـر لهـا فـي قيـام المسـؤولية الجنـائية ، وفـي هـذه الحـالة الأخيـرة نجـد قـرار للمحكمـة العليـا الصـادر بتـاريخ 22. 10. 1995 مـلف رقـم 125029 جـاء فيـه * إن إقـدام الساحـب علـى منـع المسحـوب عليـه مـن صـرف الشيـك بعـد إصـداره يكفـي لقيـام الركـن المعنـوي * - غيـر منشـور-
كمـا أن هنـاك قـرار آخـر للمحكمـة العليـا الصـادر بتـاريخ 24. 07. 1997 جـاء فيـه * إن تسليـم شيكـات علـى بيـاض مـع اشتـراط عـدم صـرفها فـي الحيـن ، يكفـي وحـده مبـررا لقـيام عنصـر سـوء النيـة * .
كمـا جـاء فـي قـرار صـادر بتـاريخ 23 .10 .2000 ملـف رقـم 222485 : * مـن الثـابت قانـونا أن جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد تعـد قائمـة بمجـرد تسليـم شيـك لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للصـرف بغـض النظـر عـن الأسبـاب والبـواعث التـي قـد يتمسـك بهـا السـاحب ...*
أمـا فـي القضـاء المصـري فهنـاك قـرار لمحكمـة النـقض مـؤرخ فـي 10. 03. 1997 جـاء فيـه : * سـوء النيـة فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد تتوفـر بمجـرد علـم مصـدره بعـدم وجـود مقابـل الوفـاء لـه ...*
الفرع الثاني : نوع القصد الجنائي في جريمة إصدار شيك دون رصيد .
أثـارت عبـارة *سـوء النيـة* التـي اشتـرط المشـرع الفـرنسي ونظيـره الجـزائري توافـرها لـدى الجـاني عنـد ارتكـاب جريمـة إعطـاء شيـك دون رصيـد خلافـا فـي الفقـه والقضـاء ، فدعـت إلـى التسـاؤل عمـا إذا كـان المشـرع قـد تطلـب وجـود قصـد خـاص فـي هـذه الجريمـة أم يكتفـي بتوافـر القصـد العـام ؟
فـإذا كـان القصـد الجنـائي العـام تتحقـق فيـه سـوء النيـة بمجـرد العلـم كمـا سبـق ذكـره أعـلاه فـان القصـد الجنـائي الخـاص لا يتوفـر إلا إذا اشتـرط المشـرع وجـود نيـة أخـرى بالإضـافة إلـى القصـد العـام بعنصريـه ، ويترتـب علـى انتفـاء هـذه النيـة عـدم قيـام الجريمـة ، وتطلـب وجـود قصـد خـاص فـي جريمـة إعطـاء شيـك دون رصيـد يعنـي أن الجريمـة لا تقـوم إلا إذا ثبـت توافـر نيـة الإضـرار
بالمستفيـد بحرمانـه مـن الحصـول علـى قيمـة الشيـك وقـد خـاض الفقـه فـي هـذا المجـال واختلفـت آراءه ، فهنـاك مـن اتجـه إلـى ضـرورة انصـراف إرادة الجـاني إلـى التدليـس وبالتالـي عـدم وجـود رصيـد قائـم وقابـل للسحـب فـي تاريـخ استحقـاق الدفـع .
بينمـا ذهـب الـرأي الـراجح فـي الفقـه والمستقـر عليـه فـي القضـاء إلـى أن القصـد الجنـائي المطلـوب توافـره فـي جرائـم الشيـك هـو القصـد الجنـائي العـام ، ويستنـد هـذا الـرأي إلـى الأسانيـد الآتيـة :
1- أن القضـاء الفـرنسي جـرى علـى أن سـوء النيـة يعنـي مجـرد العلـم ، فيكفـي لتوافـر القصـد الجنـائي أن يكـون الساحـب عالمـا وقـت إعطـاء الشيـك أنـه لا يقابـله رصيـد كافـي وقابـل للسحـب ، وفـي حالـة سحـب الرصيـد يكفـي أن يكـون الجـاني عالمـا وقـت ذلـك أن الشيـك لـم يصـرف و مجـرد الأمـر بعـدم الدفـع يتضمـن فـي حـد ذاتـه سـوء القصـد وهـذا مـا يـؤيده قـرار محكمـة النقـض المصـرية الصـادر فـي 11. 03. 1952الـذي جـاء فيـه :
* إن الجريمـة المنصـوص عليهـا فـي المـادة 337 مـن قانـون العقـوبات ، تتحقـق بمجـرد صـدور الأمـر مـن الساحـب إلـى المسحـوب عليـه بعـدم الدفـع حتـى ولـو كـان هنـاك سبـب مشـروع*.
2- أنـه لا محـل لاستلـزام نيـة الإضـرار لان الضـرر عنصـر مفتـرض منـدمج فـي الفعـل المـادي ومتصـف بـه بحيـث لا يتصـور وقـوع هـذا الفعـل دون تحقـق الضـرر ، كمـا أنـه لا محـل لتطلـب نيـة التملـك أو الإثـراء لان هـذه الجريمـة لا تقـع علـى مـال الغيـر ، بـل هـي جريمـة ملتـزم بالوفـاء يرغـب فـي التحلـل مـن التـزامه.
3- أن تطلـب القصـد الخـاص فـي هـذه الجريمـة لا يتفـق مـع علـة التجريـم والتـي ليسـت هـي حمـاية للمستفيـد حتـى تنتفـي بانتفـاء نيـة الأضـرار بـه ، وإنمـا هـي حمـاية الثقـة العـامة فـي الشيـك ، ويتحقـق الإخـلال بهـذه الثقـة بإرادة طـرح الشيـك فـي التـداول مـع العلـم بأنـه لا يقابـله رصيـد متـى توافـرت لـه الشـروط التـي يتطلبـها القانـون .
والحديـث عـن القصـد الجنـائي فـي القانـون الجـزائري لا يختـلف عـن نظيـره فـي فرنسـا ومصـر ، ذلـك أن سـوء النيـة فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد ، تتوفـر بمجـرد علـم مصـدره بعـدم وجـود مقابـل الوفـاء لـه فـي تـاريخ إصـداره ، وهـو علـم مفتـرض فـي حـق الساحـب لأن عليـه متابعـة حركـات رصيـده لـدى المسحـوب عليـه ليستوثـق مـن قدرتـه علـى الوفـاء حتـى يتـم صـرف الشيـك .
وقـد جـاء فـي قـرار للمحكمـة العليـا الصـادر بتـاريخ 26. 07 . 1999ملـف رقـم 219390 فـي إحـدى حيثيـاته :* ...أن الركـن المعنـوي للجريمـة المنصـوص والمعاقـب عليهـا فـي المـادة 374 مـن قانـون العقـوبات هـو مفتـرض إذ يمكـن استخـلاص سـوء النيـة والعلـم بمجـرد إصـدار شيـك لا يقابـله رصيـد قائـم وقابـل للصـرف ولا عبـرة بعـد ذلـك بضآلـة أو تفـاهة النقـص الملحـوظ فـي الرصيـد أو بسبـب آخـر يعـد مـن قبيـل البـواعث التـي لا تأثيـر لهـا فـي قيـام المسـؤولية الجنـائية ، ويعتـد بـه فقـط عنـد توقيـع العقـوبة ....*
كمـا أن المحكمـة العليـا فـي جميـع إجتهـاداتها تـرى أن سـوء النيـة مفتـرض فـإن قضـاة الموضـوع غيـر ملـزمين بتبيـانها صـراحة بـل يكفـي لإثبـات القصـد الجنـائي الإجـرامي مجـرد معـاينة الرصيـد أو عـدم كفايتـه أو عـدم قيـامه وقـت إصـدار الشـيك .
ومـن ابـرز الإجتهـادات التـي تبـرر مـا سبـق ذكـره مـا يأتـي :
* إن سـوء النيـة مفتـرض بمجـرد علـم السـاحب بعـدم وجـود رصيـد كـافي فـي حسـابه * - 20 .01. 1970 – نشـرة القضـاة-.
* إن سـوء نيـة المتهـم فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد تستنتـج مـن واقـع أن مصـدر الشيـك لا يـوجد لديـه أي رصيـد سابـق عنـد إصـدار الشيـك * .
وتجـدر الإشـارة إلـى أن الركـن المعنـوي فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد لا يتمثـل فـي قصـد إلحـاق الأذى والضـرر بالمستفـيد ، ذلـك أن غـرض المشـرع اتجـه إلـى حمـاية الثقـة فـي التعامـل بالشيـك أكثـر مـن حماية المستفيـد ، ولهـذا فإنـه ينبغـي الأخـذ بعيـن الاعتبـار فقـط بوجـود الرصيـد يـوم إصـدار الشيـك ، أي رصيـد كـاف وقـائم لان مـا يهـم أصـلا فـي متـابعة الجريمـة ليـس نيـة الإضـرار أي إرادة اقتـراف الجريمـة ، ولكـن المهـم هـو مجـرد علـم الساحـب وقـت إصـداره الشيـك بانعـدام الرصيـد ، أو عـدم كفايتـه ، أو عـدم قيـامه .وبهـذا قـد استقـر القضـاء علـى أن هـذا العلـم مفتـرض ، وانـه يقـوم بمجـرد إصـدار شيـك دون رصيـد أو برصيـد غيـر كافـي أو غيـر قـائم .
كمـا تجـدر الإشـارة إلـى أن دفـع قيمـة الشيـك بعـد إصـداره لا يغنـي عـن قيـام الجريمـة كمـا انـه لا يـدل عـن حسـن نيـة مصـدره ، وفـي هـذا جـاء قـرار للمحكمـة العليـا كمـا يلـي : * إن المبـادرة إلـى تسـديد قيمـة الشيـك كـان دون رصيـد وقـت إصـداره لا تشكـل دليـلا علـى حسـن النيـة * .
كمـا أن الحكـم بالبـراءة فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد علـى أسـاس أن سـوء النيـة غيـر ثـابتة فـي حـق المتهـم عنـد إصـداره الشيـك هـو تطبيـق خـاطئ للقانـون وهـو مـا جـاء فـي قـرار للمحكمـة العليـا صـادر بتــــاريخ 27. 03. 2000:
* إن سـوء النيـة مفتـرض بمجـرد إصـدار شيـك لا يقـابله رصيـد وأن المتـابعة تبنـى علـى الإشعـار بعـدم الدفـع الصـادر مـن البنـك المسحـوب عليـه ، إذ يتعيـن وجـوبا علـى الساحـب متـابعة حركـات رصيـده قبـل وبعـد إصـدار الشيـك ، ولا دخـل لأي اعتبـارات أخـرى لإبعـاد سـوء النيـة المفتـرض ، وإن الحكـم لمـا قضـى بالبـراءة لانتفـاء سـوء النيـة المفتـرض يكـون قـد عـرض نفـسه للنقـض والبطـلان ...* .
إضـافة إلـى مـا سبـق ذكـره يجـدر بنـا القـول أن القـاضي لا يجـب عليـه فـي أي حـال مـن الأحـوال الأخـذ بالبـواعث أو الأسبـاب التـي أدت بالساحـب إلـى تحـرير شيـك دون رصيـد ، أو إلـى سحـب الرصيـد بعـد تحـريره ، وهـو مـا أكـدت عليـه المحكمـة العليـا فـي قـرار لهـا جـاء فيـه : * مـن الثـابت قانونـا أن جريمـة إصـدار شيـك دون رصـيد تعـد قائمـة بمجـرد تسليـم شيـك لا يقـابله رصيـد قائـم وقابـل للصـرف بغـض النظـر عـن الأسبـاب والبـواعث التـي قـد يتمسـك بهـا السـاحب لان سـوء النيـة مفتـرض فـي حقـه ، وبالتـالي فـإن الحكـم بالبـراءة علـى أسـاس حسـن النيـة هـو قضـاء خـاطئ ومخـالف للقانـون * .
وقـد جـاء فـي إحـدى حيثيـات هـذا القـرار : * ... حيـث بالـرجوع إلـى القـرار المطعـون فيـه فإنـه يتبيـن فعـلا أن التصـريح بالبـراءة جـاء مبنيـا علـى تعليـل مخـالف لأحكـام المـادة 374مـن قانـون العقـوبات ، إذ أن المجـلس اعتبـر خطـأ أن المتهـم كـان حسـن النيـة لمـا دفـع ثمـن جهـاز التلفـزة الـذي اشتـراه بمـوجب الصـك محتل المتابعـة ، معتقـدا بـان راتبـه الشهـري وصـل الحسـاب كالعـادة مـن كـل شهـر والحـال أن الجريمـة المنسوبـة تعـد قائمـة بمجـرد تسليـم شيكـا لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للصـرف ،و ذلـك بغـض النظـر عـن الأسبـاب والبواعـث التـي قـد يتمسـك بهـا الساحـب لان سـوء النيـة دائمـا مفتـرض فـي حقـه... *
وبالتالـي يتبيـن لنـا مـن هـذا القـرار أن المحكمـة العليـا لـم تأخـذ بالبواعـث وفـي قضيـة الحـال لـم تأخـذ باعتقـاد المتهـم أن رصيـده كـاف لان راتبـه الشهـري قـد وصـل حسابـه ، فهـذا لا يـدل أبـدا علـى حسـن نيتـه ، ومنـه نخلـص إلـى القـول أن الباعـث فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد لا يحـول دون قيـام القصـد الجنائـي ولا يؤخـذ بـه للتصريـح بالبـراءة.
الفـرع الثالـث : وقـت توافـر العلـم بعـدم وجـود الرصيـد.
تعتبـر جريمـة إصـدار الشيـك دون رصيـد مـن الجرائـم الوقتيـة ، لذلـك فـإن الـوقت الـذي يجـب أن يتوافـر فيـه علـم الساحـب بعـدم وجـود رصيـد لـه ، أو عـدم كفايـة المقابـل ، أو عـدم قابليـة الرصيـد للسحـب ، هـو وقـت إعطـاء الشيـك للمستفيــد أو لوكيلـه ، ويعتـر القصـد متوافـرا ولـو كـان الساحـب يأمـل فـي أربحيـة للبنـك وأنـه يقـوم بصـرف الشيـك رغـم عـدم وجـود رصيـد كافـي لهـم ، ثـم يسـوى حسابـه معـه بعـد ذلـك .
وفـي هـذا المجـال نجـد عـدة قـرارات للمحكمـة العليـا ، والتـي تؤكـد هـذا الاتجـاه منها :
* إن سـوء النيـة مفتـرض بمجـرد علـم الساحـب بعـدم وجـود رصيـد كافـي فـي حسابه * - قـرار بتاريـخ 20 جانفــي 1970.
* لقـد فـرض القضـاء علـى كـل شخـص يصـدر شيكـا أن يتحقـق مـن وجـود الرصيـد وقـت إصـداره ، وعليـه فـإن كـل إهمـال أو تغافـل مـن طـرف الساحـب معاقـب عليه*- -قـرار بتاريـخ 12 جانفــي 1971 .
بيـد أنـه إذا كـان الشيـك يحمـل تاريـخ لاحـق علـى التاريـخ الفعلـي لإصـداره وذلـك نتيجـة لاتفـاق بيـن الساحـب والمستفيـد علـى عـدم تقديمـه إلـى المسحـوب عليـه إلا فـي التاريـخ اللاحـق سـواء كـان هذا الاتفـاق شفاهـة أو كتابـة ، فـإن العلـم متوافـر ومـن ثمـة القصـد الجنائـي فـي حـق الساحـب ، يبـدأ مـن وقـت إصـداره الفعلـي وليـس مـن التاريـخ اللاحـق المثبـت فـي الشيـك ، إذ أن العبـرة فـي هـذه الحالـة هـي بحقيقـة الحـال ، وليـس بمـا يضيفـه المتعاملـون بالشيـك مـن مظاهـر غيـر مطابقـة للحقيقـة .
وفـي هـذا أيضـا عـدة إجتهـادات للمحكمـة العليـا نذكـر منهـا :
* إن اعتـراف المتهـم بإصـداره شيـك بينمـا لـم يمكـن حسابـه الجـاري ممـولا ، يكفـي لإثبـات سـوء النيـة *- قـرار بتاريـخ 19 فيفـري 1981.
* إن سـوء النيـة فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد تتوفـر بمجـرد عـدم وجـود رصيـد قائـم وكـاف وقابـل للصـرف بغـض النظـر عـن مـدة تقديـم الشيـك للوفـاء لان ملكيـة الوفـاء تنتقـل بمجـرد إصـدار شيـك وتسليمـه إليـه .
الفـرع الرابــع : إثـبات القصـد.
إن العلـم بعـدم توافـر الرصيـد المطلـوب أو بوجـود مانـع يحـول دون صرفـه علـم مفتـرض لـدى الساحـب أو بعبـارة أخـرى أن عـدم وجـود رصيـد كـاف وقابـل للسحـب يعـد قرينـة علـى سـوء القصـد ، إذ أن الساحـب يعلـم عـادة الظـروف المحيطـة برصيـده ولكنهـا بداهـة قرينـة غيـر قاطعـة ، بمعنـى أن له أن يثبـت انتفـاء العلـم بهـذه الظـروف واعتقـاده لأسبـاب جديـة بتوافـر الرصيـد المطلـوب ، وهـذا أمـر تستخلصـه المحكمـة من كافـة القرائـن .
والقاعـدة العامـة هـي أن عـبء الإثبـات يقـع علـى عاتـق النيابـة العامـة وطبقـا لاجتهـادات المحكمـة العليـا فـإن سـوء النيـة مفتـرض فـي جريمـة إصـدار شيـك دون رصيـد وهـي قرينـة قابلـة لإثبـات العكـس ، ذلـك أنـه مـادام القصـد الجنائـي فـي جرائـم الشيـك يقـوم بمجـرد توافـر العلـم لدى الجاني إلا أن هذا لا ينفي أنه بمقدور الساحب أن يقيم الدليل على انتفاء القصد الجنائي لديه أي على حسـن النيـة إعمـالا للقواعـد العامـة فـي الإثبـات متبعـا فـي ذلـك أي دليـل يـراه موصـلا إلـى تلك الغايـة دون التقيـد بقاعـدة معينـة ويترتـب علـى إثبـات حسـن النيـة انتفـاء المسؤوليـة الجزائيـة .
وخلاصـة القـول ، تجـدر بنـا الملاحظـة أن اجتهـاد المحكمـة العليـا جـاء مجانـب للصـواب مقارنـة بنـص المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات ، ذلك أن المشـرع وفـي هـذه المـادة اشتـرط صراحـة سـوء نيـة الساحـب دون أي إشكـال أو جهالـة فيهـا ، ورغـم ذلك استقـرت إجتهـادات المحكمـة العليـا علـى أن هـذا العلـم مفتـرض وبتـرت النـص بـأن جعلتـه كذلـك ، ومـا هـذا التشديـد إلا مـن أجـل ضـرورة إقامـة حمايـة ناجعـة للشيـك كـأداة وفـاء ومـن ثمـة بعـث الطمأنينـة فـي حاملـه ممـا يجعـل كـل إفـراط أو إهمـال أو لا مبـالاة مـن طـرف الساحـب فـي استعمـال حسابـه يعـد جريمـة فـي حقـه لا لشـيء إلا لمحاربـة وردع النصابيـن والمحتاليـن فـي معاملاتهـم مـن خـلال استعمـال الشيـك كـأداة ضمـان وائتمـان.
المبحـث الثانـي : الدفـوع التـي تثـار بشـأن جريمـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد .
بعـد أن تطرقنـا فـي المبحـث الأول مـن هـذا الفصـل إلـى الأركـان الواجـب توافرهـا لقيـام جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد علـى ضـوء قانـون العقوبـات والاجتهـاد القضائـي نتنـاول فـي هـذا المبحـث الدفـوع التـي يمكـن إثارتهـا بشـأن أركـان هـذه الجريمـة والتـي متـى كانـت مؤسسـة قانونـا تـؤدي إلـى انتفـاء جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد وذلـك بغـض النظـر عـن مختلـف الدفـوع العامـة التـي تعتـرض كافـة الجرائـم مـن دون تحديـد كالدفـع بـعدم الاختصـاص والدفـع بانقضـاء الدعـوى العموميـة لوفـاة المتهـم أو التقـادم ومـا إلـى ذلـك مـن الدفـوع.
ونظـرا لتعـدد وكثـرة الدفـوع التـي تستأثـر بهـا جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد دون غيرهـا مـن الجرائـم فإننـا ارتأينـا تناولهـا فـي ثلاثـة مطالـب مستقلـة نخصـص الأول منهـا للدفـوع التـي تثـار بشـأن الركـن المـادي للجريمـة ونفـرد المطلـب الثانـي للدفـوع التـي تعتـرض قيـام الركـن المعنـوي لهـا فـي حيـن نتطـرق فـي المطلـب الثالـث مـن هـذا المبحـث إلـى الدفـوع التـي لا تأثيـر لهـا فـي قيـام أركـان جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد.
وقبـل التطـرق لهـذه الدفـوع التـي تنفـرد بهـا جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد لابـأس مـن تعريـف الدفـع بصفـة عامـة : * فلقـد جـرى العمـل فـي المسائـل الجنائيـة علـى إطـلاق كلمـة الدفـع علـى مختلـف أوجـه الدفـاع موضوعيـة كانـت أو قانونيـة التـي قـد يثيرهـا الخصـم لتحقيـق غايتـه مـن الخصومـة فـي الدعـوى المنشـورة أمـام المحكمـة إثباتـا لادعائـه أو نفيـا لادعـاء خصمـه* وعـادة مـا يكـون المتهـم هـو مـن يقـوم بإثـارة الـدفع للتنصـل مـن المسؤوليـة الجنائيـة الواقعـة علـى عاتقـه مـن خـلال تهديـم أركـان الجريمـة أو أحدهـــا.
المطلـب الأول : الدفـوع التـي تعتـرض قيـام الركـن المـادي للجريمـة :
لقـد جـاء فـي نـص المـادة 374 مـن قانـون العقوبـات ما يلـي :
* يعاقـب بالحبـس مـن سنـة إلـى خمس سنـوات وبغرامـة لا تقـل عـن قيمـة الشيــك أو عـن قيمـة النقـص فـي الرصيـد :
1. كـل مـن أصـدر بسـوء نيـة شيكـا لا يقابلـه رصيـد قائـم وقابـل للصــرف أو كـان الرصيـد أقـل مـن قيمـة الشيـك أو قـام بسحـب الرصيـد كلـه أو بعضـه بعـد إصـدار الشيـك أو منـع المسحوب عليـه مـن صرفـه.
2. كـل مـن قبـل أو ظهـر شيكـا صـادرا فـي الظـروف المشـار إليهـا فـي الفقـرة السابقـة مـع علمـه بذلـك.
3. كـل مـن أصـدر أو قبـل أو ظهـر شيكـا وأشتـرط عـدم صرفـه فـورا بـل جعلـه كضمـان*.
ومـا أعـرب عنـه المشـرع حسـب نـص المـادة المذكـورة أعـلاه أنـه يشتـرط لقيـام جنحـة إصـدار شيـك بـدون رصيـد توافـر ثلاثـة عناصـر أساسيـة لقيـام الركـن المـادي لهـا و تتمثـل فـي إصـدار الشيـك موضـوع الجريمـة وتسليمـه للمستفيـد وعـدم كفايـة أو النقـص فـي الرصيـد.
وانطلاقـا مـن ذلـك فإنـه يمكـن القـول بـان الدفـوع التـي يمكن أن تثـار بشـأن الركـن المـادي فتحـول دون قيامـه هـي مجموعـة الدفـوع التـي تنصـب علـى الشـروط الشكليـة المستوجبـة قانونـا لقيـام الشيـك كورقـة تجاريـة تستحـق الحمايـة الجنائيـة المقـررة بموجـب المـادة 374 السابـق ذكرهـا أعـلاه ، ذلـك أن المشـرع الجزائـري استوجـب توافـر عناصـر يلـزم وجودهـا فـي الصـك ذاتـه حتـى يثبـت لـه وصـف الشيـك الـذي يعنيـه القانـون التجـاري باعتبـاره أداة وفـاء تقـوم مقـام النقـود فـي المعامـلات.
يتبع بالجزء الثاني ...